الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أَءشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صدقات} أي: أخفتم الفقر والعيلة؛ لأن تقدّموا ذلك، والإشفاق: الخوف من المكروه، والاستفهام للتقرير.وقيل المعنى: أبخلتم، وجمع الصدقات هنا باعتبار المخاطبين.قال مقاتل بن حيان: إنما كان ذلك عشر ليالٍ، ثم نسخ.وقال الكلبي: ما كان ذلك إلاّ ليلة واحدة.وقال قتادة: ما كان إلاّ ساعة من النهار {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ} ما أمرتم به من الصدقة بين يدي النجوى، وهذا خطاب لمن وجد ما يتصدق به، ولم يفعل، وأما من لم يجد، فقد تقدّم الترخيص له بقوله: {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} {وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} بأن رخص لكم في الترك، (وإذ) على بابها في الدلالة على المضيّ، وقيل: هي بمعنى إذا، وقيل: بمعنى إن، وتاب معطوف على لم تفعلوا، أي: وإذا لم تفعلوا، وإذ تاب عليكم {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} والمعنى: إذا وقع منكم التثاقل عن امتثال الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى، فاثبتوا على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، فيما تؤمرون به وتنهون عنه {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لا يخفى عليه من ذلك شيء، فهو مجازيكم، وليس في الآية ما يدلّ على تقصير المؤمنين في امتثال هذا الأمر، أما الفقراء منهم، فالأمر واضح، وأما من عداهم من المؤمنين، فإنهم لم يكلفوا بالمناجاة حتى تجب عليهم الصدقة بل أمروا بالصدقة إذا أرادوا المناجاة فمن ترك المناجاة، فلا يكون مقصرًا في امتثال الأمر بالصدقة، على أن في الآية ما يدل على أن الأمر للندب، كما قدّمنا.وقد استدلّ بهذه الآية من قال بأنه يجوز النسخ قبل إمكان الفعل، وليس هذا الاستدلال بصحيح، فإن النسخ لم يقع إلاّ بعد إمكان الفعل، وأيضًا قد فعل ذلك البعض، فتصدّق بين يدي نجواه، كما سيأتي.وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: أنزلت هذه الآية {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ في المجالس} يوم جمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ في الصفة، وفي المكان ضيق، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر، وقد سبقوا إلى المجالس، فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، فردّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم، ثم سلموا على القوم بعد ذلك، فردّوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فعرف النبيّ ما يحملهم على القيام، فلم يفسح لهم، فشق ذلك عليه، فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر: «قم يا فلان، وأنت يا فلان»، فلم يزل يقيمهم بعدّة النفر الذين هم قيام من أهل بدر، فشقّ ذلك على من أقيم من مجلسه، فنزلت هذه الآية.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: ذلك في مجلس القتال {وَإِذَا قِيلَ انشزوا} قال: إلى الخير والصلاة.وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في المدخل عن ابن عباس في قوله: {يَرْفَعِ الله الذين ءامَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم درجات} قال: يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤمنوا درجات.وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في تفسير هذه الآية قال: يرفع الله الذين آمنوا منكم، وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات.وأخرج ابن المنذر عنه قال: ما خصّ الله العلماء في شيء من القرآن ما خصهم في هذه الآية، فضل الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم.وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {إِذَا ناجيتم الرسول} الآية، قال: إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه، فلما قال ذلك ظنّ كثير من الناس، وكفوا عن المسئلة، فأنزل الله بعد هذا: {أَءشْفَقْتُمْ} الآية، فوسع الله عليهم ولم يضيق.وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، والنحاس، وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: «لما نزلت: {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا ناجيتم الرسول فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صَدَقَةً} قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما ترى، دينار؟ قلت: لا يطيقونه. قال: فنصف دينار؟ قلت لا يطيقونه، قال، فكم؟ قلت: شعيرة، قال: إنك لزهيد، قال: فنزلت {أأشفقتم أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صدقات} الآية، فبي خفف الله عن هذه الأمة» والمراد بالشعيرة هنا: وزن شعيرة من ذهب، وليس المراد: واحدة من حبّ الشعير.وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه قال: ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت، وما كانت إلاّ ساعة، يعني: آية النجوى.وأخرج سعيد بن منصور، وابن راهويه، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه أيضًا قال: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا ناجيتم الرسول فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صَدَقَةً} كان عندي دينار، فبعته بعشرة دراهم، فكنت كلما ناجيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّمت بين يدي نجواي درهمًا، ثم نسخت، فلم يعمل بها أحد، فنزلت: {أأشفقتم أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صدقات} الآية.وأخرج الطبراني، وابن مردويه، قال السيوطي: بسندٍ ضعيف عن سعد بن أبي وقاص قال: «نزلت {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا ناجيتم الرسول فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صَدَقَةً}، فقدمت شعيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لزهيد»، فنزلت الآية الأخرى: {أأشفقتم أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صدقات}. اهـ.
|